--------------------------------------------------------------------------------
هذا يوم جديد يطل عليها من خلال الشرفة, يوم خريف بارد برود عينيها... لكن اليوم مختلف عن غيره إذ لا شعر اليوم و لا نثر, لم تعد تنتابها تلك الأفكار و لم تعد تناديها تلك الأبيات ولم تعد ترى عذاري السحر بشعرها الحريري وأثوابهن الشفافة و أجسامهن الأنثوية, لم تعد ترهن و هن يقبلنا شقائق النعمان لم ترهن و هن يعبثن بأوراق الأشجار المتساقطة, لم تسمع اليوم تغريد الطير و هو يغازلها و لم ترى سيدتي الجميلة طائر السنونو في رشاقته يسابق الريح. أ هو الخريف بالبؤس قد حل؟ أم هو الزمان قد دار و انقلب؟ هل ذهبت أيام الصيف البديعة؟ و زرقة البحر؟ ماله البحر اليوم معكر المزاج شاحب اللون كأنه قد ذاق بلعب الأطفال و شغب الشباب؟ الدمعة على مقلتيها لا تريد النزول و ابتسامة عل شفتيها, ابتسامة مريرة يكتنفها حزن قديم قد ترك آثاره على وجهها الملائكي.
لا تجزعي سيدتي فإن الخريف يليه شتاء طويل يملؤه السكون و الوقار ثم يحل الربيع بأحلى القصائد الغزلية ,سوف تعانقك طيور السنونو و سوف يقبلك الورد و سوف أقطف لك باقة من شقائق النعمان. لا تحزني فحتى يأتي ذلك اليوم عيشي من عبق زهرتي التي أهديتك إياها ذلك اليوم, أتذكرين ذالك اليوم؟ هل مازال شذى أزهاري يملأ غرفتك الصغيرة؟ هل مازال لوجودي معنى عندك؟ هل تذكرين..؟ أم هل أن الحرب قد أتت على بقايا الذكريات و دمرتها مع ما دمرته تلك الليلة, لا تجزعي سيدتي الجميلة فإني لا آبه لهذا الخريف بل أستعد لشتاء قارس طويل فالحرب لن تنتهي بعد اليوم و ليس بوسعي إلا أن أعيش على ذكرى ربيعنا الأخير.